الکلمة التفصیلیة للأمين العام للجماعة في الاجتماع الافتراضي للمجلس المركزي
في هذا الاجتماع، دعا الأستاذ عبد الرحمن بيراني للمجاهدین في طریق الحق والحرية، وخاصةً الشعب الفلسطيني، مُستشهدًا بآيات قرآنية عديدة، مُوضّحًا مفهوم "الآية" كدلالة على القدرة والحكمة الإلهية، وأکد على أن القرآن الكريم هو معجزة نبي الرحمة الخالدة.
فيما يلي سرد مفصل لكلمة الأستاذ عبد الرحمن بيراني، الأمين العام لجماعة الدعوة والإصلاح، في الاجتماع الافتراضي الأخير للمجلس المركزي:
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نحمده سبحانه وتعالی ونُسجد لجلاله خضوعًا وخشوعًا، ونُصلّي ونسلم على نبي الرحمة وعلى سائر الأنبياء والرسل ، وعلى جميع المُصلحين والمشفقین وخدمة الدين والأمة.
نتمنى التوفيق لجميع المجاهدین والمصلحين والمدافعين عن الحرية والعدالة، وخاصةً المقاتلين الفلسطينيين وقادتهم، ونحمد الله تعالى على حمايتهم من مؤامرة الأعداء وعدوان الكيان الصهيوني الغاصب المعتدي في الدوحة مع استشهاد عدد من رفاقهم وأبنائهم الأعزاء. نأمل أن يحفظ الله تعالى وطننا الحبيب وشعبنا وسائر الدول الإسلامية من شرور المجرمين ومن المصائب والبلایا.
مع تحیاتي لکم أسأل الله العلي القدير أن یبارک هذا اللقاء ویوفق هذه الجماعة.
سأبدأ کلمتي بشرح كلمة "آية" أو "الآيات الإلهية": على سبيل المثال، قال الله تعالى لفرعون عندما كاد يغرق في البحر: «فَالْیَوْمَ نُنَجِّیکَ بِبَدَنک لِتَکُونَ لِمَنْ خَلْفَک آیة وَإِنَّ کَثِیرًا مِنَ النَّاسِ عَن آیَاتِنَا لَغَافِلُون» (یونس/۹۲)
ترتبط كلمة "آية" في القرآن الكريم دائمًا بموضوع وقضية، وهي: البرهان والمعجزة والحكمة أو ظاهرة خارقة أو نموذج وبرهان يُظهر قدرةً وسيادةً عالم الأمر والخلق.
وفي الواقع، كل شيء في العالم يُعتبر آية أو آيات إلهية، يدل على علم خالقه وحكمته وقدرته وعظمته ويُظهر جانبًا من جلاله وجماله وحكمته وقدرته وعظمته.
على سبيل المثال يقول القرآن الكريم في بداية سورة النور المباركة:
«سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِیهَا آیَاتٍ بَیِّنَاتٍ لَعَلَّکُمْ تَذَکَّرُونَ» (نور/۱)
کما تلاحظون هنا أن معنى "الآيات" ليس مجرد لفظ، بل هو دلائل وأحكام وقرائن شرعية. ولذلك قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا فِيهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ أي: أنزلنا فيه آياتٍ واضحةً جليةً تدل على حكمٍ أو دليلٍ شرعي، أو كما ورد في سورة فصلت:
«سَنُرِیهِمْ آیَاتِنَا فِی الْآفَاقِ وَفِی أَنْفُسِهِمْ حَتَّى یَتَبَیَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ یَکْفِ بِرَبِّکَ أَنَّهُ عَلَى کُلِّ شَیْءٍ شَهِیدٌ» (فصلت/۵۳)
والآن، وبعد قرون، وفي ظل تقدم العلم والمعرفة والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، تجلّت للبشرية بعض حقائق الکون وأسراره، ودلائل حكمة وعظمة الخلق، وقدرة الله في الآفاق والنفوس، وتحقق الوعد الإلهي.
أو يقول القرآن الكريم في سورة العنكبوت:
«بَلْ هُوَ آیَاتٌ بَیِّنَاتٌ فِی صُدُورِ الَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا یَجْحَدُ بِآیَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ» (عنکبوت/۴۹)
أي العلماء والباحثين والحكماء الذين لديهم فهم صحيح ومعرفة كافية بالأدلة والأحكام الإعجازية، تحتضن صدورهم وأفكارهم هذه الأدلة والحِكم، ويوقنون بها.
وفي هذا السياق أيضًا، يقول الله تعالى في سورة العنكبوت:
«أَوَلَمْ یَکْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَیْکَ الْکِتَابَ یُتْلَى عَلَیْهِمْ إِنَّ فِی ذَلِکَ لَرَحْمَةً وَذِکْرَى لِقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ» (عنکبوت/۵۱)
تؤكد هذه الآية أن معجزة الرسالة الخاتمة تتمثل في القرآن الكريم نفسه، وهذا القرآن رسالة ومعجزة في آن واحد، وهذه المعجزة مخفية في هذه النصوص لیكون مصدر هدايةً في كل زمان ومكان وحال.
ومن البديهي أن القرآن الكريم وآياته الصريحة تنتمي إلى صفات الله وعالم الأمر، ولذلك، لا يقدر أحدٌ على إدراك أبعاده وأعماقه وظواهره إلا الله الذي بيده السموات والأرض؛ لأننا نحن بشر، ولأننا ننتمي إلى عالم الخلق، فإن قدراتنا وإمكانياتنا محدودة، ونخضع لقوانين وتقاليد زماننا ومكاننا.
يصف الله تعالى آيات القرآن الكريم في سورة الزمر:
«اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِیثِ کِتَابًامُتَشَابِهًا مَثَانِیَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِینَ یَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِینُ جُلُودُهُمْ وَ قُلُوبُهُمْ إِلَى ذِکْرِ اللَّهِ ذَلِکَ هُدَى اللَّهِ یَهْدِی بِهِ مَنْ یَشَاءُ وَ مَنْ یُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ» (زمر/۲۳)
أنزل الله أحسن الكلام كتابًا متجانسًا وآياتٍ متماثلة لا مثيل لها في التطبيق وجاذبية الألفاظ وسمو المعاني وتناسقها في الإعجاز وتناسق المضمون والقصص وثنائية القضايا، مثل: الإيمان والكفر، والحق والباطل، والخير والشر، والهدى والضلال، والحسنات والسيئات، والجنة والنار. ومن البديهي أن تكرار آيات القرآن الكريم يتم في كل مرة بصيغة جديدة، وأسلوب جديد.
ثم يقول: آياتٌ ترتعد لها صدور الذين يخشون ربهم عند سماعها، ثم يهدأ خوفهم ورعبهم وتخشع قلوبهم بذكر الله، فيتأهبون لقبول أوامره ونصائحه. وفي هذا السياق، من الأهمية بمكان أن يؤكد القرآن الكريم على أن كلام الله محكمٌ تمامًا، كما يقول:
"الر ۚ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ" (هود/۱). هذا القرآن كتابٌ أُحكمت آياته، ثم بيّنه الله الحكيم العليم؛ وعلى هذا الأساس، يمكن القول إن آيات القرآن الكريم البینات محكماتٌ تمامًا.
ولكن عندما نتأملها من منظور إدراكنا البشري وفهمنا وتخيلنا لها، يتضح لنا أحد عمقي "المحكم" أو "المتشابه".
لذلك، فإن عبارة "منه آيات محكمات" في القرآن الكريم تُصوّر في الواقع البعد الأول، وهو أنه يحمل أدلةً أو براهين أو أحكامًا واضحةً جلية.
"هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ"، أي أن هذه الآيات هي أساس ومصدر لآيات الكتاب الأخرى.
"وآخَرٌ مُتَشَابِهَةٌ"، أي أن آيات القرآن الكريم قد تبدو لنا أحيانًا غامضة ومتشابهة في معانيها ودلالاتها ورسائلها؛ لأن القرآن كتاب أبدي، إن الظروف والقدرات محدودة، ولن تنكشف حقيقتها للأجيال إلا بتقدم العلم والمعرفة والتطور الفكري والثقافي والتكنولوجي. وهذا هو المقتضى الكوني والأبدي لدين الإسلام السماوي. كما قال تعالى:
«وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِکِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ. هَلْ یَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِیلَهُ یَوْمَ یَأْتِی تَأْوِیلُهُ یَقُولُ الَّذِینَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَیَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَیْرَ الَّذِی کُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا کَانُوا یَفْتَرُونَ» (اعراف/۵۲)
ولقد جئناهم بكتابٍ بينّاه وبينّا أحكامه ومعانيه على علمٍ ووعيٍ بطبيعة الإنسان والدنيا، ليكون هدايةً ورحمةً للمؤمنين.
"فَصّلْنَاهُ": شرحنا معانيه ومفاهيمه وأحكامه وحكمه ومواعظه بتفصيل وهل ينتظر الذين كانوا ينتظرون تأويل الوعود الإلهية وتحقيقها إلا يوم يأتي فيه هذا الوعد فيعترفون ويصرحون بأن الحق كان مع رسل ربنا وكانوا على حق؛ فهل لنا اليوم شفعاء يشفعون لنا أم نرجع إلى الدنيا بعد الموت لنعمل غير ما كنا نعمل؟
وعليه، فإن حقيقة تأویل آيات القرآن الكريم تعني أن نهاية الأمور والحكم والرسالات والهداية الإلهية في كل زمان ومكان وحال، في علم الله وحده. و"التأويل" يختلف عن "التفسير" و"التبیین"؛ التأویل يعني إحاطة جميع الدلالات والمعاني التي يحملها القرآن الكريم. "ولا يعلم تأويله إلا الله". مثال ذلك: في قصة سيدنا موسى والرجل الصالح، يقول في ختام القصة: «هَذَا فِرَاقُ بَیْنِی وَبَیْنِکَ سَأُنَبِّئُکَ بِتَأْوِیلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَیْهِ صَبْرًا» (کهف/۷۸)
قال العبد الصالح: "الآن وقت الفصل بيني وبينك، سأخبرك بخبر وحكمة وأسرار ما لم تستطع عليه صبرا". ثم يروي ثلاث قصص شهيرة في هذه القصة:
- قصة ثقب السفينة؛ 2- قصة والدي طفل قرر قتله. ٣- وكذلك قصة الجدار الذي کان لطفلين يتيمين، رممه دون أن يُنفق عليه.
يرى بعض المفسرين أن معنى قوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ إِلَّا اللَّهُ} هو القرآن الكريم كله، لا جزء منه؛ کما أن «وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا» یرجع إلی القرآن كله.

الآراء